مُتمنياً لو يخرج من بباله فيُمنح فرصة جديدة ليرجو مَطلبه لكنه عبثاً يُحاول أن يُقنع نفسه على مدار الثلاث ساعات الماضية في أن بُرعم رحمةٍ صغير
سينمو داخل قلب ذلك الرجل الذي كان يحتمي في الداخل يشرب كوباً من الحليب الساخن بالأحرى.
عِناد هذا الشيخ قد أجبره على الوقوف بمنظرٍ يلفت المارةً رُغماً عنهم وذلك فقط لأنه يملكُ قلباً ما زال ينبضُ بالأمل حتى هذه اللحظة.
توقفت سيارة ليموزين بيضاء بجانب المتجر حيث خرج سائقها بسرعة، وهو يهُم بفتح المظلة التي كان يحملها،
ليفتح الباب الخلفي ويخرج ذلك الطفل الصغير من الداخل بملابسَ فاخرة لم تمُسها قطرة ماء نظراً لمهارة سائقه الخاص وسُرعة تصرفه.
أول ما وقع عليه نظر الطفل البالغ من العمر خمس سنوات هو ذلك الشيخ الكبير الذي كان يقفُ تحت المطر ينظر ناحية المتجر فشعر بالرهبة تملَأُ غياهب قلبه.
آنَّى لهذا الشيخ الذي سرقه الزمن طاقته وشبابه أن يقف بهيبةٍ أمام المتجر دون خوفٍ من أن تُسلب عافيته منه بسبب برودة الجو؟
تعلقت آمال الطفل بإجابةٍ أراد أن يحصل عليها من سائقه الشخصي الذي كان يُحاول فحسب أن يأخذه لداخل المتجر خِشية أن يُصاب بالبرد فيُعاقب أشد عقاب.
- سيدي الصغير، سيحزن والدك إن مرضت لذلك فلندخل سريعاً
تبخَرت آمال الطفل سريعاً بعد أن تجاهل السائق سؤاله بإجابة لا يُريدها
ثم بُثَّت بسالةُ مُحارب في قلب الطفل وشعر برغبة شديدة في مساعدة ذلك الشيخ المسكين بأي ثمن
فركض تاركاً سائقه مذهولاً من سُرعته التي لم تستطع قدما السائق اللحاق بها
وعجزت مهارته الخارقة، في منع قطرات المطر من أن تُبلل سيده الصغير، أمام طاقة الطفل الحيوية وخِفة حركته.
وقف الطفلُ بجانب الشيخ الذي انتبه لوجوده وخشيّ عليه من أن يبتل، فسَبق السائق بنزع معطفه الأسود الذي كان بالكاد يقِيه البرد ليَضعه فوق الطفل وهو قلقٌ للغاية
بينما تجاهله الصغير ومدَّ يده أمام الشيخ.
غمَرت الدهشة تقاسيم وجه الشيخ وتجاعيده وراح يُحدق إلى الطفل وهو يَمد يده ناحيته بُكل براءة آملاً في أن يُصافحه،
فتنازعت الأفكار داخل عقله في البحث عن فِكرة تُمكنه من مصافحة الطفل دون أن يُبعد المعطف من على فوق جسمه الصغير
لكن سرعان ما جاء السائق وبيده المظلة فارتاح ضميرُ الشيخ وأبعد معطفه ليُصافح الطفل بابتسامةٍ عذبة يملأها الفضول.
نطَق الطفلُ الصغير وهو يُحكم قبضته الصغيرة وكأنه شكَّ للحظة في أن مشاعره لن تصل لقلب الشيخ إلا لو صافحه بقوة،
- فيها رَبَكة !
مئة علامة استفهام قد عُزفت على هيئة سيمفونية غامضة لتجَعل الشيخ مُتعجباً لفترة،
فقد حاول جاهداً خلال تلك الثواني المعدودة أن يُحلل كلمة الطفل جيداً ليستنبط منها المعنى الصحيح ولكن دون جدوى.
ابتسم الصغيرُ سعيداً بما فعل، وفخوراً لعمله البطولي فنظر للسائق علامةً على أنه قد حصل على مراده ويُمكنه الذهاب الآن
بينما وقف الشيخُ على مهل يُراقبهما وهما يدخلان المتجر.
الثانية كالدقيقة، والدقيقة كالساعة، هكذا كان الوقت يَمر بالنسبة له، فالزمن قد اختل توازنه وأصبح بطيئاً ليمنح عقل الشيخ وقتاً كافياً
لتفسير محادثتها المُكونة من مُصافحة وكلمة ثم ما لبث أن ابتسم من كُل أعماقه وارتدى معطفه وغادر تاركاً خلفه شتات أملٍ لا فائدة منه مُبدلاً إياه بأملٍ جديد.
فمُصافحةٌ وكلمةٌ بسيطة، كانت كافية لرسم الابتسامة على وجهه وإنعاش نفسه بالطاقة.
وقف ذلك الرجل طويل القامة ضيق العينين بابتسامة حتى يُرحب بابنه الصغير
لكنه انتبهَ لبَلل ملابسه فاستشاط غضباً وحوَّل نظره للسائق الذي كان يقفُ مُطأطأً الرأس وينتظر بإخلاصٍ مُفرط عقابه المُنتظر
- إن المطَر قد بلله بالكامل! لقد عيَّنتُكَ بالأمس فقط ولا تستطيع إتقان عملك! أتودُ أن تُطرد؟!
- أنا حقاً آسفٌ يا سيدي، لكنه ركض دون سابق إنذار ولم أستطع اللحاق به،
سمِع السائق زمجرة سيده الصارم فاهتزت دواخله ذُعراً وأردف سريعاً ليُصحح جُملته
- لا عُذر لي يا سيدي، لقد أخطأت
سألَ بحِدةٍ قد غُلفت بإعصارٍ جبَّار، - ما سبب ركضه المفاجئ؟
- ركَض حالما رأى السيد عُمر، و ..
ارتبك السائق وبَتر جُملته خشية أن يسمع سيده بقيتها، فعندما فسَّرها من وجهة نظر رئيسه بالعمل،
تأكد من أن كلاماً كهذا لن يُعجبه إطلاقاً بينما تحدث الآخر بصبرٍ بدأ ينفذ.
- السيد عُمر؟ ذلك الذي طردته بالأمس لعدم كفاءته؟
أجاب بسرعةٍ وقلقٍ شديدين، - نعم يا سيدي
- ما زالَ ذلك المُسنُ المُزعج يُحاولُ عبثاً استعادة وظيفته هنا؟ يا لهُ من وقح! كان يجب عليّ أن ...
توقف عن الحديث إثر رؤيته لابنه وهو يجُّرُ معطفه الأسود دقيق الصُنع فهَبط على رُكبتيه ليُواجهه بابتسامة
وما هي إلا لحظات حتى مدَّ الطفلُ يده ببراءة ليُصافح والده، وعندما قام والده بمصافحته، أردف سريعاً،
- فيها رَبَكة !
ضحِك الوالد بعد سماعه كلمة ابنه فبعثر شعره الأسود لثانيتين ثم استطرد بعتاب،
- ليس رَبَكة يا عزيزي، بل برَكة !
~ تمَّت
from منتديات مكسات http://ift.tt/1HG7pay
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire