vendredi 5 juin 2015

الإجابة . ق.ق





" سأمسكها اليوم مهما كلفني الثمن "

كان يفكر بذلك أثناء وقوفه - في حارتهم القديمة - أمام منزل صديقه
بقميصه الرياضي الأزرق، وبنطاله الأسود ذا الخطوط الجانبية البيضاء
الشمس تجلده بأشعتها الحارقة، " وفانيلته " الداخلية تسبح بعرقه
إلى متى سيظل متسمرًا هنا ؟ الحر لا يرحم
راوده خاطر مزعج .. ماذا لو عاد إلى منزله دون أن يتمكن من اصطيادها كما يأمل ؟
- اووف
زفر بضيق .. يبدو أن هذا الصديق المزعج سيفسد جميع مخططاته .. كل هذا التأخير
من أجل أن يعيد كرته إلى غرفته .. كرته البلهاء التي اشتراها له أخاه - غير الشقيق - نهاية العام
هدية لنجاحه وأزعج جميع أولاد الحارة بها .. ربما يخاف عليها أكثر من نفسه !
المرات الأخيرة كان سبب شجارهم الرئيس هو هذه الكرة ومن سيحظى بشرف ركلها واللعب بها !
يتخاصمون ويتصالحون، ويَعِدُون بعضهم بالكف عن ذلك، لكنهم يعيدون الكَرة في اليوم التالي وكأن شيئًا لم يكن ..
استسلم لغضبه لوهلة وتقدم من الباب الموارب ليركله بعنف ويفرغ غيظه فيه
إلا أن صديقه ظهر في اللحظة ذاتها - بشكل غير متوقع - ليتلقى الضربة عوضًا عن الباب
- آآآه
شقت حنجرته .. أمعن النظر في صديقه الراكع على ركبتيه ممسكًا فخذه الأيمن بتوجع
وبدلاً من أن يمد له يد المساعدة أو يعتذر على الخطأ غير المتعمد، غرق في ضحكة واسعة متشفيًا منه وقد تبخر غضبه نهائيًا
حدجه الآخر بتوعد ونهض لينتقم لنفسه متناسيًا ألمه :
- ما الذي يُضحكك أيها السخيف ؟
فرّ هاربًا منه وهو يهتف بمشاكسة :
- سلمى ضُربتْ .. ابكي ابكي .. وااء وااء كالأطفال
ثم يرجع لضحكه مرة أخرى
تحوير صديقه " خالد " لاسمه من " سالم " إلى " سلمى " ضاعف من حنقه، وركضه،
وإصراره على إمساكه لتأديبه ..
استمرت المطاردة حتى توقفا قبالة الدكان الصغير في نهاية الشارع - والذي يدير شؤونه العم " خان " الباكستاني الأصل -
وقد كانا يقصدان الذهاب إليه بعد انتهائهما من لعب المباراة في هذا الجو
لا مباليين بحرارة الشمس ولا بشيء سوى تحقيق النصر على الفريق الآخر
رغم تعرض بعضهم لدوار الشمس، وأحيانًا لإصابات وجروح عميقة .. يلحقها تقريع وتعنيف من أهاليهم
إلا أنهم ما كانوا ليستغنوا عن لعب مباراة آخر الأسبوع مهما كانت الظروف .. لذا عقدوا اتفاقًا
مع أُسَرِهم أن يغيروا وقت لعبهم بدلاً من فترة الظهر، يجعلون بدايته عقب صلاة العصر مباشرة إلى قبيل أذان المغرب .. وكان لهم ما أرادوا على مضض
هذه حال العُشّاق بعد كل شيء !
وبينما يلتقط خالد أنفاسه، بادره سالم بثلاث صفعات على ظهره، جعلته يسعل قليلاً قبل أن يعاود ضحكه الذي ما كاد يتوقف عنه .. سالم وهو يلهث :
- هذه للركلة، ولضحكك، ومناداتي بسلمى
توسطت الابتسامة ثغر خالد وهو يسبقه بالدخول :
- مع أنني لم أكن متعمدًا لكنك تستحق ما جرى لك
تبعه وهو يهتف بغيظ :
- لم آخذ حقي كاملاً فقواي خائرة الآن .. لكن سترى ما أنا فاعل بك فيما بعد

كانت غنيمتهما عصير برتقال بارد، ومثلجات بنكهة التوت
تلذذا بتناولهما وإلقاء النكات المضحكة من حين لآخر أثناء طريق العودة ...

يكبر ظلهما وهما يسيران، وها هما على أعتاب المرحلة الثانوية، أحاديث الرفاق، السهر، الامتحانات، المذاكرة، الهروب من الحصص، الزيارات المتبادلة،
الحب الأبدي الذي يربطهما بالكرة .. كانا يتشاركان في كل شيء ..

يكبر الظلان ويصلان معًا للمرحلة الجامعية .. الأفكار تتمدد، الأحلام تتشعب، الصداقة تتعمق بتعمق الضغوط

" سأمسكها اليوم مهما كلفني الثمن "

كيف لهذه العبارة التي صدرت من ابنه أن تجعل عداد السنين يهبط في عينيه .. لتعبر المشاهد من أمامه تباعًا وكأن كل شيء حدث البارحة ؟
طالع الهاتف الذي يتوسد سطح المكتب .. وبتردد مد أنامله والتقطه، قبل أن يكتب الرقم الذي لم يبارح ذاكرته
يهتز أصبعه قبل أن يضغط زر الاتصال .. يضع الهاتف على أذنه ويستقبل الرد الذي ما تغير منذ الموقف الأخير :

(عفوًا إن الرقم الذي طلبته لا يمكن الاتصال به الآن ..)
منذ سنوات .. لا إجابة .


from منتديات مكسات http://ift.tt/1KRb1N9

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire