السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
من التفاؤل يولد الأمل ،
ومن الأمل يولد العمل ،
ومن العمل يولد النجاح ،
فى تلك الأثناء فتح الباب فى هدوء لتنسل منه ممرضة تحمل ملامح الرقة كلها فى وجهها وهى تدفع أمامها الفطور ثم قالت بهدوء يشوبه مسحة مرح خفيفة :
- كيف حالك اليوم يا آنيتا ؟
- على الأقل لازالت حية حتى الآن .
انطلقت تلك الكلمات اليائسة من ذاك الجسد النحيل الراقد على السرير حيث آنيتا ،التى يمكننا القول بإختصار بأنها فندق يعج بجميع الأمراض بلا استثناء ، صحيح أنها جميلة بل فاتنة ولكن قدر جمالها يوازى قدر مرضها .
ابتسمت الممرضة فى حزن وقد اعتادت سماع مثل هذه العبارات يوميا منها :
- لاتقولى هذا،سوف تتحسنين قريبا .
ثم اتجهت بهدوء نحو تلك الستائر المخملية واجتازتها ومن ثم أعادت السؤال :
- وكيف حالك يا مرجريت ؟
صدرت ضحكة لطيفة أعقبها صوت أشد رقة:
- بخير إننى مشرقة اليوم كإشراق الصباح .
غادرت الممرضة بعد ذلك بعد أن أدت مهامها فى خدمتهما، بينما ظلت أعين آنيتا معلقة بالستائر المخملية ،التى تخفى وراءها تلك المدعوة مرغريت، تلك التى لا تعرف عنها سوى اسمها وتلك النبرة التى تصدر أحيانا عند قدوم الممرضة بينما قدما آنيتا تقف حاجزا أمام إزاحة تلك الستائرالتى تبعد عن السرير قرابة متر
اخترق جدارالصمت الرهيب صوت منبعث من خلف تلك الستائر :
- اسمك آنيتا صحيح ؟عليك أن تكونى أكثر تفاؤلا وتثقى بالله أكثر ، تأملى الكون حولك
- وكيف أتأمله وأنا محاصرة بين تلك الجدران الأربعة أعنى الثلاثة، وتلك الستارة المخملية التى تحجب عنى حتى ضوء الشمس .
عندئذ وصل صوت مرغريت وقد عرته الدهشة :
-أليست لديك نافذة ؟
وعندما وصلتها الإجابة بالنفى كان ردها
إذن فلأكن أنا نافذتك
ومنذ ذلك الوقت ومرغريت تصف العالم الخارجى لآنيتا فتارة تحدثها عن تلك البحيرة الزرقاء التى تتدنى عليها قطوف الأشجار ....أولئك الأطفال المشاكسين .... تلك القوارب الورقية التى تخترق سطح البحيرة الصافية وتارة تحدثها عن سقوط تلك البللورات البيضاء التى كست الأرض بياضا ناصعا .... أولئك الأطفال الذين يتقاذفون الكرات الثلجية ...وتلك البحيرة المتجمدة ، وهكذا أبصرت آنيتا ضوء الأمل فى حياتها أصبح صوت مرغريت سمفونية رقيقة تطربها يوميا وكلماتها هى نافذة خيالها ، ولكن برغم ذلك لم تزح تلك الستائر المخملية أبدا ولم تكشف أبدا عن وجه مرغريت بل وحتى وسط آحاديثهم لم تتكلم مرغريت يوما عن نفسها أو شكلها فرسخ فى نفس آنيتا لابد أن مرغريت تملك وجها مشوها أو سرا فى وجهها وبناء على ذلك الإعتقاد لم تسألها أبدا عن شكلها ولم تسأل الممرضة كذلك واكتفت بسماع صوت صديقتها العزيزة وقد تخيلتها فتاة بقلب من زجاج
وذات صباح ألقت آنيتا تحية الصباح على مرغريت كالعادة،ولكن لم تسمع ردا فظنتها نائمة إلى أن دلفت الممرضة إلى الغرفة وقد اختفى سحر ابتسامتها السابق لتخبرها فى اقتضاب أن مرغريت توفيت أمس عندما تعانقت عقارب الساعة معلنة الثانية عشرة عند منتصقف الليل وقد تم نقل جثمانها منذ قليل قبل استيقاظ آنيتا ، وقع الخبر وقع الصاعقة على آنيتا وانطفئ مصباح حياتها التى لم ولن تره أبداً، ولكنها طلبت من الممرضة فى رجاء أخير بأن تنقلها إلى حيث سرير رفيقتها ،وافقت الممرضة على ذلك عله يساعدها فى التحسن وأخيرا أزيحت الستائر المخملية لأول مرة لترى آنيتا تلك النافذة التى تتوسط الحائط وذاك السرير الذى كان ينبعث منه دفء مرغريت ،بدأت آنيتا ترفع رأسها رويدا ...رويدا، لترى ذلك المنظر الذى حفر فى عقلها وكيانها وكانت المفاجأة ، إذ لم يكن هناك إلا جدار أصم من جدران المشفى ولم تكن هناك أية مناظر خارجية
فسألت الممرضة وقد أصابها الذهول :
-أهذه حقا النافذة النى كانت تنظر من خلالها مرغريت ؟
فأتتها الإجابة فى شئ من الحيرة :
-وهل ترين غيرها فى الغرفة ؟
صرخت آنيتا فى لاوعى :
-ولكن هذا مستحيل ... نعم مستحيل
تراجعت الممرضة وقد آدهشتها رد فعل آنيتا :
- ولكن ما المستحيل يا عزيزتى ؟
قصت لها ما كان يحدث بينها وبين مرغريت والمشهد الجذاب التى كانت تصفه لها مرجريت
عندئذ خرجت من فم الممرضة كلمات كان وقعها ربما أشد من وقع السيف على آنيتا :
- ولكن مرغريت كانت عمياء إنها حتى لم تكن ترى حتى ذلك الجدار الأصم ، ولكن ربما أرادت أن تجعل حياتك سعيدة حتى لا يصيبك اليأس وتفقدى الأمل فى العلاج
أصبح السكوت هو سيد المكان بينما اتسعت حدقتا آنيتا فى ذهول وقد ترددت صدى كلماتها فى نفس آنيتا
مرغريت عمياء ... مرغريت.... عمياء
from منتديات مكسات http://ift.tt/1CRaoxM
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire