كيف حالكم؟
لا أجيد المقدمات لذا سأضع القصة مباشرةً .. :3
___________________
[سجن أبيض]
ظهرت خيوط الشمس بعد أن أعلنت انتصارها اليوم على عدوها الدائم، بينما ابتسم القمر راضياً بالهزيمة متوعداً خصمه بالانتقام في وقتٍ لاحق؛ فرغم صراعهما الأبدي إلا أن الأمر أصبح عادةً لديهما-القمر يحظى بالفوز بالليل والشمس بالنهار. تسللت تلك الخيوط بسعادة عبر النافذة لتخبر الناس بفوزها وببداية يومٍ جديد، أو نهاية يوم سابق بالنسبة للبعض. نظر ذلك الفتى من خلال النافذة -التي تُحْكِم القضبان الإغلاق عليها مانعةً أي شيء من أن يدخل أو يخرج - إلى الشمس وهي تشرق، ثم حول نظره إلى دفتره الصغير ليضع نجمةً تحت كلمة "الشمس" ، بعد أن تمتم قائلاً بخيبة أمل: "نجمةً للشمس، خيبت ظني أيها القمر أملت أن تفوز اليوم!" بعثر شعره –ذو اللون الكستنائي الدافئ -بعدها ليكمل قائلاً بلا مبالاة:" ولكن لا يهم، لربما تنتصر غداً!" أغلق الدفتر، ليتجه إلى السرير لينام، مرَّت ثلاثُ ساعاتٍ بالتمام والكمال حتى استيقظ،
فتح عينيه ليتبع ذلك صدور نغمة مزعجة، أطلق ضحكةً قصيرة ليقول بعد أن أوقف صوت المنبه: لقد قلتُ لكَ بأني سأستيقظ قبلكَ! ثم بدأ بالعد بمساعدة أصابعه:" واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة.. الآن" وما أن أنهى جملته حتى فُتِح الباب الحديدي، دخلت امرأةُ جميلة بشعرٍ أسودٍ يصل إلى أعلى كتفيها بقليل، كثيراً ما قورن لونه بسواد الليل الحالك، في منتصف العقد الثاني من عمرها، تنهدت لتقول بضجر وهي تحرك شفاهها ببطء آملةً منه أن يفهمها: لويس، يمكنك أن تخرج من الغرفة لتأكل فقط، ولكن عُد إلى هنا بعد ساعة، لأن لديكَ موعد اليوم مع د. لينين، فهمت؟ أم علي إعادة كلامي؟!
لم يكلف نفسه عناء النظر إليها، قال لها بامتعاض وهو ينظر إلى نفسه بالمرآة: فهمت فهمت، أنا لست غبياً لتلك الدرجة!
همست لنفسها بسخرية قاصدة أن يسمعها: لِمَ أنتَ محبوس هنا إن كنت بذاك الذكاء الذي تزعمه؟!
ضحكت بعد أن لَاحظت عليه الانزعاج، ثم التفتت لتغادر الغرفة ولكنه وقف أمامها ليقول وهو ينظر إلى عينيها مباشرةً مقلداً نبرتها الساخرة: عليكِ أن تتصرفي معنا بلطفٍ، ألا تريدينهم أن يعدلوا عن قرار طردِك.. لارا؟
ظهرت علامات الدهشة على وجهها لتسأل هامسةً بخوف: ك..كيف عرفت بذلك؟
ابتسم ليقول ببرود: لا يهم، ثم إن الخطأ الذي اقترفتهِ أشنع من ألا يعرفه أحد، كان عليكِ التوقع أن شخصاً سيكتشف أنكِ من فعلها!
زادت ابتسامته ليردف قائلاً ببراءة ملوحاً بيده: إلى اللقاء، ولا تنسي أن تعتذري لروزالين، من حسن حظك أنها لم تُصَب بمكروه.
لم تُدرِك الممرضة الشابة أنها وبرميها لتلك السيجارة الصغيرة في غرفة أحد المرضى ستتسبب بحريق يُعَرِّض حياة صاحبة الغرفة للخطر!
تركها تنظر له بنظرات حقد امتزجت مع الغضب والاستغراب ليكمل طريقه بخطوات غير منتظمة؛ فتارةً كان يمشي ببطء، وتارةً يسرع وكأنه يركض، مرةً يتخذ خطوات كبيرة وأخرى صغيرة. كانت هذه طبيعته دوماً فلطالما وصف نفسه "بالفريد" ولا أحد بإمكانه أن ينتزع هذا اللقب منه، تفرد بكل شيء، بلون شعره الغريب، حركاته وطريقة تفكيره، بشخصياته المتعددة، وبقدرته على التعامل مع المواقف المختلفة ببرودٍ تام وقاتل! كل هذه الصفات مكنته من اكتساب لقب "الفريد" بجدارة.
ولكن أحياناً قد تكون النعمة نقمة عند البعض، فهذه الخصال التي جعلته مميزاً، أجبرته على أن يصنف متخلفاً عن العالم، نعم متخلفاً لا مختلفاً، ليس هذا وحسب بل زجته وراء قضبان السجن الحديدية، سجن في كل شيءٍ عدا اسمه وواجهته، فهو سجن اكتسى برداء مشفى، يدعى بمصحة الأمل العقلية!
مر بإعلان كبير معلق على الحائط، حدّقَ بالإعلان للحظات لتتحول ملامح وجهه إلى ملامحٍ غاضبة متوحشة!، تمتم وهو يطبق على أسنانه: تباً!
تقدم إلى الإعلان بسرعة فمزقه، ثم نظر إلى قصاصات الورق الممزقة بين يديه وفي الأرضية ليصرخ: كلاا! هذا لا يكفي.
أخذ كل ورقة صغيرة ليُقَطِّعَها إلى قطعٍ أصغر، وجمعها كلها ليقوم برميها في أقرب حاوية. ألقى نظرةً على الحاوية ليمشي مبتعداً بعدها، فجأةً عاد بخطواته إلى الوراء، نظر إلى يديه ليهمس لنفسه مشجعاً: لا بأس، القمامة ليست متسخة لهذه الدرجة.. أ ليس كذلك؟
أدخل يديه في الحاوية، وسوس إليه عقله بنفس الجملةِ مجدداً- "لا يكفي"؛ فأخرج القصاصات وأعاد عملية التقطيع مرة أخرى إلى قطعٍ أصغر وأصغر وأصغر! أخذ نفساً عميقاً ثم قادته قدماه إلى دورة المياه –أكرمكم الله- ليغسل يديه اللتين اتسختا عندما لامستا القمامة. دخله ليخرج بعد دقائق عدَّة وهو يرتدي قبعة صغيرة غطّت كل شعره. اتجه بعدها لغرفة روزالين، وتوقف عند نافذة غرفتها ليشاهد انعكاسه عليها. قال محدثاً انعكاسه –الذي ظهرت عليه تعابير الحزن-: أنت! لا تَكُن حزيناً هكذا، تذَكَّر أن هذا قد يُسعِد روزالين! أنت قبيح عندما تَكون حزيناً.
أكمل بعد أن أعادَ التفكير للحظة: كلا!.. أنت وسيم في كل الأوقات ولكنك تبدو الآن أقل وسامةً بقليل، لذا ابتسم فإن رأتكَ روزالين تبتسم ستبتسم هي أيضاً.
اتسعّت ابتسامته، ثم طرق باب الغرفةِ وانتظر حتى سمع صوت روزالين -التي أَذِنت له بالدخول- ليفتح الباب. دخل على فتاة –ذات شعرٍ أحمرَ طويلٍ مموج وعينين عسليتان- كانت جالسة على كرسي متحرك.
أطال النظر إليها وهو يحاول تحديد إن كانت رأت الإعلان أم لا من ملامحها، لاحظت نظراته لتقول بخوف مصطنع: لويس لما تنظر إلي هكذا، أنت تخيفني!
ابتسم ليقول بمرح: لا شيء، فقط أخبريني كيف حال توأمتي الجميلة مثلي؟
حاولت أن تغصبَ شفتيها على تزييف ابتسامة مصطنعة لتوهمه أنها بخير، ولكن ورغم انصياعِ شفتيها، خانتها تلك الدمعة المتمردة التي –ومن دون استئذان- نزلت على وجنتها. لم تَمُر ثانية إلا وتبعتها دموع كثيرة أخرى، فتقَدَّم لويس ليمسح دموعها بيده وينطق بعد أن تنهد بحزن: إذاً رأيتِ الإعلان.
أومأت برأسها إيجاباً لتنطق قائلةً: لا أفهم لما يفعلون هذا بي؟ لم أفعل لهم شيئاً! الآن بعد هذه الصورة سيسخر مني البقية ويضايقونني، أعني .. ليس وكأنهم لم يكونوا يضايقونني من الأساس، ولكنهم..
قال لويس مقاطعاً لها بلطف: روز، يكفي! تلك الصورة لن تشكل فرقاً.. أنتِ جميلة بكل الأحوال، حتى بدون الشعر المستعار الذي ترتدينه!
نزع قبعته ليكشف عن رأسه الذي قام بحلقه تماماً ثم يقول بابتسامةٍ لطيفة: جميلة مثل توأمكِ تماماً!
ازداد بكاؤها لتصرخ من بين شهقاتها بصوتٍ مبحوح: غبي! أحمق! الآن سيضايقونك أيضاً، لقد كنت دائماً تحب شعرك الكستنائي والآن حلقته. كل هذا بسببي.
ربت على رأسِها بحنان ليقول لها: ما الذي تقولينه روزالين؟ أنا فعلت هذا لأنني أردت أن أفعله، في الواقع كان علي أن أفعله منذ زمن ولا أعلم لِمَ تأخرت في فعله!
روزالين منذ أن دخلت المصحة -بعد الاكتئاب الذي أصابها عندما مات والداها هي ولويس إثرَ حادث سيارة كبير- اختارها المَرضى الآخرون فريسةً لهم؛ كانت ناقصةً في نظرهم، وقد كانوا جميعاً ناقصين في نظر العالم، وكل ما حدث أنهم حاولوا إشعار نفسهم بالكمال بالتركيز على من بدا لهم أقل منهم.
حوَّل لويس نظره إلى "لالي" قط روزالين الصغير –قط ذو لونٍ أسود قاتم –
ليحدق في عيني القط الصفراوين ويفعل القط المثل، فتبدأ بذلك لعبتهما المعتادة لعبة التحديق.
لعبة لا تقوم على قانونٍ سوى :أن من يبعد نظره أولاً عن الآخر هو الخاسر.
عندها أطلقت روزالين ضحكة قصيرة لتسأل: ألن تتوقف أبداً عن لعب هذه لعبة مع لالي؟ أخشى أن تخيفه في يوم من الأيام من كثرة ما تحدق في عينيه.
نظر إليها بسرعة ليهتف بفرح عارم: وأخيراً ضحكتِ!
اتسعت ابتسامته عندما رأى أنها قد نزعت الشعر المستعار الذي كانت ترتديه؛ عندها أدرك أنه قد خسر تواً أمام لالي ليصرخ قائلاً بامتعاض: تباً، لقد قصدتِ تشتيتي صحيح؟ لكي يفوز قطكِ! غشاشة.
غمزت للالي لتقول: قط رائع، أحسنت.
قال لويس بعفوية: أ تعلمين؟ أصبحنا نشبه بعضنا كثيراً هكذاً! توأمتي.
أومأت لتقول: أجل.
وقف قبل أن يتحدث: حسناً علي الذهاب الآن، لدي جلسة مع الدكتور لينين.
رفع مرفقه يتفقد ساعته الخضراء ذات التصميم الطفولي، بقي ينظر إلى الساعة لدقيقتين حتى أتت إليه روزالين بالكرسي المتحرك لتقول: الساعة الآن الحادية عشرة.
تنهدت لتُكمل: لا أعلم متى ستتعلم قراءة الساعة؟! المهم، متى ستبدأ الجلسة؟
تكلَّمَ بضيقٍ قائلاً: قبل ساعةٍ من الآن، لا أريد أن أعاقب تباً
وضع يده على رأسه قاصداً أن يبعثر شعره كما يفعل عادةً، فضحك على نفسه بعد أن تذكر أنه قد قام بحلقه تواً.
فتح الباب ثم التفت إلى روزالين مودعاً لها: سأذهب على أية حال، إلى اللقاء روزي.
لوحت له بيداها ليخرج قبل أن يغلق باب غرفتها، ويمشى بثقةٍ في الممرات متقبلاً بسعة صدر نظرات الآخرين، همساتهم وتعليقاتهم الساخرة عن أنه أصبح أصلعاً. لم يقل لهم شيئاً أو يعاتبهم، بل بالعكس كان يبتسم لهم بكل حيوية وسعادة- سعادة غريبة، فريدة من نوعها، لا يتذوق لذتها أحد إلا عند إسعاد الآخرين!
شدَّه منظر فتاةٍ وهي تعلق نسخة أخرى من ذلك الإعلان، تظهر فيه روزالين –كما المرةِ السابقة- بلا شعرها المستعار الأحمر. لم يشعر بنفسه إلا وهو يمزقه تماماً كما فعل بسابقه، ثم أكمل طريقه بعدها بهدوء، لكن هتاف الفتاة (كادي) باسمه استوقفه: لويس! انتظر
تكلمت بخبث: أرى أنك أصبحت أصلعاً أيضاً، هل كان شعرك مستعاراً أنت الآخر؟
ضحكت لتردف بنفس نبرتها السابقة وهي تحمل الكاميرا لتلتقط صورة له: سأستبدل صورة أختك بصورتك أنت وسأكتب عليها "شعر لويس الكستنائي الجميل مستعار أيضاً"
نظر إليها ببرود ليقترب ويأخذ الكاميرا، تملكها الخوف بعد أن اعتقدت أنه سيكسر آلة تصويرها الوحيدة،
ابتسم ليوجه كلامه إليها بلطف: التقطي لي صورة أجمل "كادي"، صورةً تُظهر ابتسامتي الجميلة.
أتت روزالين التي رأت الموقف من نافذتها لتتكلم مبتسمةً: كلا، كادي لا تستبدلي صورتي بصورته ضعيها بجانبها!
_________
تمت
بقلمي: "وعد" أو بروميس تشان :)
from منتديات مكسات http://ift.tt/1yaIVqn
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire