samedi 31 janvier 2015

ثلاث مناديل لأجلكِ فلسطين

مدخل:

الشرقيون يا بُنيتي مبدعون مفكرون هم أساس الأدب و العلوم

كأنوا مبدعين و مازالوا متألقين

لكن حظهم عثر كطبيعة أرضهم فلا فرص يأخذون ولا حقهم من العلمِ ينالون .











تخبطت بها الحياة و جعلتها تتقلب في كفيها كما شاءت ,حتى جفت قنواتها الدمعية فباتت لا تعرف دمعاً

نخر الجوع جسدها و استوطنه كما استوطن اليهود وطنها كانت فتاة الثانية عشرة حين رأت الرصاص لأول مرة لا تزال قزحت عينها تذكر جيداً ألوان المتفجرات ,كانت غاضبة , ثائرة, حاقدة, لأمها "فلسطين".



تزحلقت أناملها الطويلة على جدار الحجري ببطء ,و أطياف أفكارها تسبح لتسبقها دهراً

-:دكتورة وفاء؟

انتشلت لعالمٍ يقطرُ سواداً , حيثُ لا تمطر السماءُ ذهباً و ولا تسمى ارض الله بملكِ الله نقلها حيث تلوث الماء و الطعام ,لـ"برلين" تحديداً

-:نعم؟

-:هل انتِ متأكدة أنك البروفسورة وفاء ؟

اللهجة المصرية ,و جمال مصر و أهل مصر و علم مصر و فن مصر و أدب مصر ,رجعت ذكرياتها لعيد مولدها الخامس عشرة حين رأت عظمة الأهرامات عندما حفظت هذه اللهجة عن ظهر قلب و ألفت نعومتها و رقتها

-:نعم اخي ؟

-:يالجمال حظي! ,اريد دعوتك إلى فنجان قهوة ان سمحتِ ؟ أنا الصحفي احمد الذي حدثكِ بالأمس.

وقبلَ أن تدرك ,كانت على طرف محطة الحافلات تريح جسدها الضئيل على الكرسي الحديدي البارد

-: جميع مواطني مصر فخورين بك انتِ بطلة قومية للمرأة الفلسطينية

-:لا لستُ ببطلة ,البطلة الفلسطينية الحقيقة هي كل ثكلى و كل امرأة و كل فتاة على ارض فلسطين الهاربات لسن بطلات

-:ولكنكِ لم تتركي جمعية إلا وقد دعمتها .

-:المال مال الله

كانت لهجتها الفلسطينية ركيكة للغاية أنعم من قطعة ثلج سقطت على يد في ليلة شتوية رمادية

-:هل لكِ ان تبدأي بسرد قصتك

رسمت شبح ابتسامتها فقد أعادها ثلاثين عاماً للخلف

-: ولدت كطفلة ثانية بعد فتى منذُ يومها يسمى رجلاً و على ضفاف بحيرة طبريا تعلمت المشي و بين شجر الزيتون تكلمت و قبل أن أتعلم الألف و الباء كنت احصد ,و ازرع و أحلب ,-تنهدت- الله عليك يا حقلنا , وقبل أن تهب ريح شبابي ,هبت ريح أحزاني دخل اليهود علينا بأحذيتهم الحديدية و أسلحتهم العتيدة وملامحهم اللاتي تجسد بها الشر وضعوا فوهة المسدس على رأسي –وضعت سبابتها على جبهتها بين عينيها- و أكرهوا أبي ليوقع على بيع جنتنا بخمسة الآلف دولار ,كنّا محظوظين لأن أمي كانت تحمل الجنسية السورية شددنا الرحال تاركين ارض أجدادنا في أيدي الأعداء, أتصدق يا احمد كنت وقتها أتخيل أنني سأتزوج ابن جيراننا و بنتاي أحداهما ستكون فلاحة –لترث الأرض- و الأخرى تصبحَ طبيبة تعالج الناس .و من بعد أن تركت شبح طبريا بدأت معناه المهجر و الغربة كانت سوريا تكظ بالمهاجرين و كم كان صعباً أن تبدأ حياة عائلتك بخمس الآلف دولار .



تبعثرت بها الذكريات لترمي بها في أحياء دمشق ,بسيطة الفكر كثيابها حزينة كوالدها صامدة كأخيها و تبكي ليلاً كوالدتها أدمنت رائحة دمشق و أنوارها

-:و من دمشق بدأت مرحلة كفاح الجوع أصرت أمي على أن اكمل تعليمي فباتت تعمل كخادمة و أخي "عمار" كان يمسح الأحذية في ركن الشارع و أبي الفلاح البسيط الأمي لم يجد وظيفة أكثر من عامل للبقالة

انحسرت الدموع في مقلتيها و أنحشر صوتها لأخر مكان وصل إليه .قدم لها منديلاً لكنه لم يكن كافياً لمسِح ما فات من ماضيها .

-: بعدها مرض "عمار" انتقلنا للبنان حين قام قريب لأمي بعرض وظيفة نجار لأبي وافقنا طبعاً و شددنا الرحال مجدداً حينها كنت في الرابعة عشر و كنت في نهاية الإعدادية كانت مصاريف الدراسة و مرض "عمار" ثقيلة على والدي, فقلت له سأترك الدراسة لعام واحد رفض بشدة لكنّ مرض "عمار" كانت له الكلمة الفاصلة ,تركت الدراسة و عملت في مطبعة ,عشقت الأدب و كنت أنتقد الروايات و احكم في جودتها حتى راني رب عملي و أذكر جيداً أني كسبت ترقية و علاوة فكان الكتاب قبل النشر يُسلم إلي و اهتم بالتدقيق الإملائي و جودة الكتاب أن كان يستحق النشر أم لا, حين علم رب عملي بأني تركت المدرسة قال كلمات لا انساها "شو هالخسارة بنيت بذكائك بتؤعد و وحدا مو عارفة كوعا من بوعا بتحضر , ما تزعلي يا بنتي انا بدفع لك تكاليفك" كدت وقتها ان أطير فرحاً و ظللت في لبنان حتى منتصف الثانوية و اشتد مرض "عمار" حينها قيل عن طبيب للقلب يعمل في القاهرة و شددنا رحالنا لمصر.

أعادت رأسها للخلف و حكت شعرها من خلف الحجاب. لمصرَ ألوان كثيرة و كيف تنسى أول صديقة في بلد الغربة و كيف تنسى شهر رمضان في مصر كانت ذكرياتها تفيض عن تلك البلاد التي امتلأت عن أخرها أدبا و فناَ و ثقافةً ,الشوارع الضيقة ,الازدحام و طابور الصباح المكتبة الكبيرة و الجوامع البهية و زرقة سمائهم التي لا تشوبها شائبة ,مصر الحرة مصر العروبة

-: و طُبِعَ على جواز سفري لأول مرة "دخول مصر " حينما كنت في طبريا حلمت دوماً بزيارة مصر و التجول في أسواقها و تذوق "الطعمية" سِرت أول خطواتي في القاهرة و كان عليّ أن اعرف فرحتي تزيد الأمور دوماً سواءَ ,لم نجد مكاناً نأوي إليه فالفندق باهض الثمن و لم نجد شقة و لا عملاً توجهت إلى المطبعات فكان جوابهم "ممنوع عمل القاصرات" كنتُ على اتصال برب عملي السابق و قد وجد لي وظيفة أمينة مكتبة لدى احد أصدقائه و كنتُ آنذاك الدخل الوحيد للعائلة بـ150 جنية لليوم كان دخلاً جيداً وقتها و استمررت في الدراسة صباحا ادرس وليلاً اعمل ,حتى استمر الأمر شهراً وجدت امي عملاً كطاهية كان يدر المال جيداً و وفر المطعم وقتها مكانا لنا و بدأ أخيراً علاج "عمار", لكن قلب عمار كان منهكاً وقتها بحثنا طويلاً عن متبرع ولم نجد حتى قلت "بابا خد قلبي و تبرع بكلياتي و رئتي و كبدتي و أي عضو يحتاجه الذين عمار " فكان مبلغ بيعها جميعا مليوني جنيه كان سيضمن حياة عائلتي وقتها-تحجر صوتها و تغيرت ملامح وجهها- و بعد إصراري الفارغ ,تحدثت مع طبيب عمار خفية فزورت توقيع أبي على موافقته للعملية ,و قبلها بيومين و حين كنتُ اكتب وصيتي في غرفة نومي الصغيرة دق الهاتف ...مات عمار".

انهارت دموعها ظنت أنها نسيت معنى الدموع لكن لأين المفر منها دموعها تعرف طريقها جيداً و تعلم منحنيات وجنتها جيداً ,قدم لها منديلاً ثانياً لها, فكرت لو انها كانت في طبريا ,أكانت ستصبح بمنزلتها اليوم؟! آم أن الضربات قوّت عوجها ,هل كانت لتكون فلاحة أم ستكون أماً لم تجد جواباً أبدا لأسئلتها

-:كان فاتناً كان في بداية العشرينيات امتلك عيني جدي الزرقاء و اكتسب قوة الفلاح و فطنة الفلسطيني لكنه كان مؤمنا كتب في وصيته –أخرجت ورقة من حقيبتها البسيطة وباشرت قرأتها- "كونكم تقرؤونها الآن فذلك يعني أن الله اخذ أمانته ,الأن ارتحتم من صرفي العبثي في المال و لن أرهقكم كفراً الحمد لله الذي أخذني مؤمناً موحداً أبي أمي و أختي الجميلة خير البشر يقول (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) فلا لدي ولد يدعو لي ولا صدقة جارية و لا علمت أحدا شيئاً

اختي الجميلة تعلمي علماً و داوي الناس فيه و بكل عمل ادعي من أجلي فأنا محتاجٌ لها و أعتذرُ لكِ لم أركِ في فستانكِ الأبيض و لم ارقص معكِ و لم أجعلكِ تسمعي كلمة "عمتي" أسف لم أُركِ غيرتي الشرقية و لم أضعكِ تحت جناحي أسف لذلك كثيراً

أمي الرائعة بعض أغراضي اشتريتها من لبنان فبيعيها من فضلك و اشتري بمالها مصاحف وضعيها في مساجد عدة لتكون صدقة جارية , سوزان أيتها السورية الرائعة أحببتكِ كثيراً حتى أصبحتِ الأنثى الوحيدة في حياتي شكراً كثيراً و أسفٌ كثيراً جعلتكِ ثكلى قبل الأربعين – هل بلغتِ الأربعين و أصبحتِ عجوزاً؟!. كل ما أريده أن تدعي لي أن كنت ابنا سيئاً فدعي الله أن يسامحني و أن كنتُ ابنا جيداً فدعي الله ليخفف عني شكراً كثيراً لكونكِ أماً رائعة

والدي القوي لا اعتقد أن اعتذارات الكون تكفي لأجلك فلم أعطتكَ نسلاً و لم أكن ابناً يدعو لك و لم أكن عوناً لك كنتُ فتى عاقاً لِم لم امرض في عز طبريا؟ أهو تدبير من الله و ابتلاء! رضيت بما قسمه لي و الحمد لله عليه ,والدي أتذكر تلككَ الشجرة الليمون التي كانت في الحقل و فجأة اختفت كان ذلكَ أنا و مازن فقد بدت لنا مريضة و تحتاج الكثير من الماء لذا نقلناها للبحيرة –وكم كان نقلها صعباً- و في النهاية غرقت في البحيرة و لم أخبرك أبدا كن قويا اعهد وفاء و أمي في رقبتك



سوزان و جميل و وفاء لنلتقي جميعاً في الجنة لدي الكثير لأقصه لكم".

لم تبكِ هذه المرة بل ابتسمت بأعين تكاد تبكي دماً على فتى لم يرى من شبابه شيئا و إنما رحل كطائر بأجنحة مقصوصة ,حلت لحظة صمت و لا يقطعها إلا ضوضاء المارة و الزبائن الآخرون

أكملت

-: لنرحل مللت من الجلوس ,لنحرك قدمينا قليلاً

كانت تكره الزحام بشدة فما استطاعت إلا أن تتماشى مع نمط المدينة التي تعيش فيها فلا خيار اخر ,سارا بمحاذاة حديقة للأطفال, فصل الربيع يجبر جميع من في برلين ان يخرج للتنزه أو للرياضة سحرها شذى الورود و صياح الأطفال

قال

-:الله يرحمه ويتلطف عليه , كم كان عمرك حين توفى؟

-:اذكر أني كنت في الثامنة عشر قبل امتحانات الثانوية العامة , حين مات "عمار" لن ادع فلسطيني يموت امامي بسبب الفقر أو المرض ,لم أتقبل موته و أغلقت على نفسي بالكتب قرأت كثيراً حتى لا افرغ للحزن قرأت التاريخ و الفلسفة و الرياضيات و الطب و عدة لغات حتى تعلمت مبادئ الفرنسية و الألمانية منها و حان موعد الامتحانات درست و دعوة الله ألا ينسني شيئاً دعوة كثيراً و تقبل الله دعائي ولم اقبل بأقل من الطب , كنت أريد تخصص القلب لأعلم ما حلّ لأخي و حصلت على شهادتي لأكون الثانية على المصريين و يا "فرحتي اللي ما تمت" كان لازم نترحل لأننا جئنا بتأشيرة علاج و أمامنا خياران العودة لسوريا حيث لا عمل أو للبنان حيث لا لم تستطع والدتي ترك قبر عمار كانت تذهب يوميا لتدعو له و تبكي على قبره ,اذكر يوماً ان العم أسامة رب عملي في لبنان قد اتصل يطمئن علي و قد ارسل تعازيه سابقا فسألني عن التخصص الذي ارغب به فقال ألمانيا تمنح تأشيرات للفلسطينيين و تمنح حق التعليم و هكذا بقلوبنا المفطورة جئنا إلى "برلين"

-:لقد تعذبتم بكل مدينة سكنتو بها

-:بيروت كانت ممتازة للمعيشة وحتى العم أسامة كان حقاً لطيفاً ,رفض ابي الجنسية الألمانية و قبلت بها أمي فحصلتُ على كلاهما درست الطب كما تمنيت تماماً ونلت منحة دراسية و حصلنا على منزل ممتاز و ابي عمل كفني في احد المستشفيات و أمي كمصففة شعر ,كانت أحوالنا المادية أفضل من أي وقتٍ مضى, تمنيت كثيراً لو أننا بعد تركنا لطبريا جئنا لـ"برلين"ربما لم تتدهور صحة عمار و ربما كان بجواري اليوم؟ تخرجت بعد سبع سنوات وقتها و حضر العم اسامة لأجلي ,ركبت سيارتي الجديدة و طلب أسامة تجربتها فسمحت له و جلس والدي بجواره و انا و أمي في الخلف ,-خَشُنَ صوتها و لمعت عيناها- حدث حادث عظيم خسرت والدي و قدمي بينما استطاعا أسامة و أمي الخروج ببعض الكسور

بكت هذه المرة ,بكت كثيراً كان يملك بعض المناديل في جيبه فقدمها لها و لم تأخذ إلا واحداً , بعد أن هدأت رفعت بنطالها الطويل لتريه القدم الصناعية

-:الله يقهر عبادة بالموت نحسب أننا خالدون ,لكن نقسم يوم القيامة اننا نلبث إلا ساعة, أحس العم أسامة بالمسؤولية فقرر تحمل نفقتنا كنتُ وقتها قد اشتد عودي و كنت تلك الفلسطينية الحديدية التي لا تريد خسارة البقية .

مشيا حتى قطعا شارعين و استكملت

-:لم يتوقف طموحي لشهادة البكالوريوس أردت الماجستير و الدكتوراه ,كنت كطبيبة أعلم أغلب الأمراض في فلسطين و أجهز الأدوية –من مالي الشخصي- و ترسل إليهم بإسم تركي

-: أنا أذكر انني قد سمعت امراً كذلك منذ سنين طوال

-:و كانت رسالة الدكتوراه "طب النانو"كان علماً جديداً و كنت من القلة الذين اهتموا بهذا العلم ,بعدها مُنِحت مختبر من قِبل الدولة و ,كنت اول عربية تعمل في هذا المجال

-:حدثيني عن جمعيتك للنساء الفلسطينيات ؟!

-: اغلب الفلسطينيين الذين هاجروا للدول الغربية و الأوربية في حالة ممتازة أما النازحين للدول العربية فحالهم من سيئ لأسوء لذا كانت جمعية "انتِ فلسطينية " تساعدهم في إيجاد الأعمال ,ساعدني احد رجال الأعمال الخليجيين بتوفير وظائف لهم في شركته ,بعدها بدأ أصحاب المطاعم الذين يريدون عمال بمرتبات قليلة و دوامات طويلة بتوفير وظائف و كان أهم شرط وضعته لقبولهم "ان يوفروا تعليماً لأبناء موظفيهم" ,ثم بدأت الجمعية تكبر قليلاً, قليلاً ,حتى اقترحت أحدى العاملات توسيعها لأفغانستان .و فعلناها

سكتت قليلاً ,استشعرت الهواء و هو يداعب وجهها و سكون المنطقة السكنية التي كانت بها

-: قبل عام كان هناك ملتقى طبي في تل الربيع,لقد كتبتها بالعربية على لوحة مدخل الملتقى "الملتقى الطبي السابع في تل الربيع الفلسطيني" و بما أن أي إهانة ستكون إهانة لألمانيا –ضحكت- يومها منعوا التصوير حتى لا يشهد العالم سقوط أقنعتهم و بيروقراطيتهم المزعومة ,عدت لطبريا بعد ثلاثين سنة الحقل اصفر و زحفت البنيان للحقول و قلة نسبة المياه في البحيرة ,و اشتريت بنصف مليون دولار جنة أبي و أجداده.

عدت لأرضي.مدخل:

الشرقيون يا بُنيتي مبدعون مفكرون هم أساس الأدب و العلوم

كأنوا مبدعين و مازالوا متألقين

لكن حظهم عثر كطبيعة أرضهم فلا فرص يأخذون ولا حقهم من العلمِ ينالون .











تخبطت بها الحياة و جعلتها تتقلب في كفيها كما شاءت ,حتى جفت قنواتها الدمعية فباتت لا تعرف دمعاً

نخر الجوع جسدها و استوطنه كما استوطن اليهود وطنها كانت فتاة الثانية عشرة حين رأت الرصاص لأول مرة لا تزال قزحت عينها تذكر جيداً ألوان المتفجرات ,كانت غاضبة , ثائرة, حاقدة, لأمها "فلسطين".



تزحلقت أناملها الطويلة على جدار الحجري ببطء ,و أطياف أفكارها تسبح لتسبقها دهراً

-:دكتورة وفاء؟

انتشلت لعالمٍ يقطرُ سواداً , حيثُ لا تمطر السماءُ ذهباً و ولا تسمى ارض الله بملكِ الله نقلها حيث تلوث الماء و الطعام ,لـ"برلين" تحديداً

-:نعم؟

-:هل انتِ متأكدة أنك البروفسورة وفاء ؟

اللهجة المصرية ,و جمال مصر و أهل مصر و علم مصر و فن مصر و أدب مصر ,رجعت ذكرياتها لعيد مولدها الخامس عشرة حين رأت عظمة الأهرامات عندما حفظت هذه اللهجة عن ظهر قلب و ألفت نعومتها و رقتها

-:نعم اخي ؟

-:يالجمال حظي! ,اريد دعوتك إلى فنجان قهوة ان سمحتِ ؟ أنا الصحفي احمد الذي حدثكِ بالأمس.

وقبلَ أن تدرك ,كانت على طرف محطة الحافلات تريح جسدها الضئيل على الكرسي الحديدي البارد

-: جميع مواطني مصر فخورين بك انتِ بطلة قومية للمرأة الفلسطينية

-:لا لستُ ببطلة ,البطلة الفلسطينية الحقيقة هي كل ثكلى و كل امرأة و كل فتاة على ارض فلسطين الهاربات لسن بطلات

-:ولكنكِ لم تتركي جمعية إلا وقد دعمتها .

-:المال مال الله

كانت لهجتها الفلسطينية ركيكة للغاية أنعم من قطعة ثلج سقطت على يد في ليلة شتوية رمادية

-:هل لكِ ان تبدأي بسرد قصتك

رسمت شبح ابتسامتها فقد أعادها ثلاثين عاماً للخلف

-: ولدت كطفلة ثانية بعد فتى منذُ يومها يسمى رجلاً و على ضفاف بحيرة طبريا تعلمت المشي و بين شجر الزيتون تكلمت و قبل أن أتعلم الألف و الباء كنت احصد ,و ازرع و أحلب ,-تنهدت- الله عليك يا حقلنا , وقبل أن تهب ريح شبابي ,هبت ريح أحزاني دخل اليهود علينا بأحذيتهم الحديدية و أسلحتهم العتيدة وملامحهم اللاتي تجسد بها الشر وضعوا فوهة المسدس على رأسي –وضعت سبابتها على جبهتها بين عينيها- و أكرهوا أبي ليوقع على بيع جنتنا بخمسة الآلف دولار ,كنّا محظوظين لأن أمي كانت تحمل الجنسية السورية شددنا الرحال تاركين ارض أجدادنا في أيدي الأعداء, أتصدق يا احمد كنت وقتها أتخيل أنني سأتزوج ابن جيراننا و بنتاي أحداهما ستكون فلاحة –لترث الأرض- و الأخرى تصبحَ طبيبة تعالج الناس .و من بعد أن تركت شبح طبريا بدأت معناه المهجر و الغربة كانت سوريا تكظ بالمهاجرين و كم كان صعباً أن تبدأ حياة عائلتك بخمس الآلف دولار .



تبعثرت بها الذكريات لترمي بها في أحياء دمشق ,بسيطة الفكر كثيابها حزينة كوالدها صامدة كأخيها و تبكي ليلاً كوالدتها أدمنت رائحة دمشق و أنوارها

-:و من دمشق بدأت مرحلة كفاح الجوع أصرت أمي على أن اكمل تعليمي فباتت تعمل كخادمة و أخي "عمار" كان يمسح الأحذية في ركن الشارع و أبي الفلاح البسيط الأمي لم يجد وظيفة أكثر من عامل للبقالة

انحسرت الدموع في مقلتيها و أنحشر صوتها لأخر مكان وصل إليه .قدم لها منديلاً لكنه لم يكن كافياً لمسِح ما فات من ماضيها .







from منتديات مكسات http://ift.tt/16by5oA

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire