mercredi 11 février 2015

أبي


.













(1)







وتضاءلت البقعة المضيئة في عينيه الراجية حتى اختفت، وتقوقع الكون حوله حتى حبسه في صدفة البلاء فاختنق وجعًا، وعلقت في ريقه غصة حاول جاهدًا ألا يتخلص منها! ليس هنا على الأقل! ليس أمام الشامتين بحكم القاضي الذي أُصدر قبل قليل بالسجن اثنتي عشر سنة مع الأعمال الشاقة قبل أن يقرع بعصاه مانعًا القاعة من الجدل، ولا أمام المحبين الذين تجمهروا احتجاجًا ثم اقتربوا من السياج، ولا أمامها هي! بالأخص هي! فاستدار خارجًا بانهزام من قفص الاتهام لسجن الظُلم، يجاهد لئلا ينظر إليها، ألا يراها رغم أن عقله جسد تفاصيل تعلقها الباكي بالسياج وندائها الدامي الذي اخترق قلبه : ( أبي ).





لكن لا! لن يلتفت، فقلبه لا يقوى مواجهة خضرة عينيها الملوثة بسواد الدموع، ويأسه يزوده بخوف من رؤية الشك بارتكابه الجُرم فيهما! يخشى انفطار قلبه، والموت قهرًا قبل أن يُطالب بالاستئناف لو رآهما فلم يرد، ولم يستدر نحوها، بل استسلم للحارس الذي جره خارجًا، إلى مرقده الذي أمل ألا يكون الأخير. فيما بقيت تنتحب في مكانها مرددة بلا هوادة : ( إنه بريء ).










(2)





ارتبك ثم ضحك بفتور وغمرها بحنان صدره، مُحيلًا غضب خلاياها المُستنفرة حرارة وحُمرة لسكون أهدئها ولطف بها، ثم ربت على ظهرها قبل أن يوقفها أمامه ويسند كفيه على كتفيها، ويضرب بخفة رأسها برأسه، وحين رفعت الطفلة إليه عينيها المضرجة بالدموع حدثها : ( حبيبتي، كفي عن سخافتك، دبدوب لن يموت بسبب قطع رأسه).

فاحتجت ماسحة دموعها بفوضوية : ( لكن الناس يموتون هكذا في التلفاز ).

كتم ضحكة أخرى وسأل بهدوء : ( دبدوب إنسان ؟! )

هزت رأسها بلا، فأكمل : ( إنه دمية، وطالما أنه كذلك سيعيش ).

توقفت دموعها عن الخروج حين إذ وسألت تتحقق : ( سيعيش حقًا ؟! ).

أجابها مبتسمًا وهو يمسح دموعها : ( سأحرص على ذلك ).









(3)






لحق بها للباب، لم يُرد أن يعطلها، لكنه لا يستطيع أن يتركها تذهب دون أن يدعو لها بالحظ الوفير، لذا بقي يُراقبها حتى أنهت ارتداء حذائها مُفكرًا في أن صغيرته التي لبست حذائها ذات مرة متكئة على ركبته، كبُرت وأصبحت ترتديه وحدها. ورغم أنها ليست من أصحاب الإنجازات الهائلة! إلا أنها تجعله فخورًا بها، يكفيه رؤية ارتدائها للحذاء وحدها، تكفيه ليعرف حجم الفرق بين من استندت عليه ذات مرة، ومن ترتدي الحذاء الآن.



ابتسم هائمًا عند هذه النقطة ثم سمح لجملته أن تفلت من أفكاره لشفتيه : ( كم أنا فخور بك ). ثم تدارك الهمس ودعا لها :

( وفقك الله وكلل خُطاك بالنجاح وسددها صغيرتي ).



ثم استدار عائدًا للداخل دون أن يُدرك، أنه وفي تلك اللحظة، زرع في ابنته دافعًا غير الذي انهار بالأمس على يد وحوش البشر، فما كان منها إلا أن أسرعت إليه تهدي خده قبلة، ثم استودعته الله وخرجت، وما كان منه إلا أن استدار يُمارس هوايته المحببة، مراقبة ظهرها والشعور بالفخر للمفارقة بين من خرجت وحدها الآن، ومن خرجت تمسك بيديه الكبيرتين ذات يوم.











تمت









from منتديات مكسات http://ift.tt/1EZzpJp

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire